لوبين

آرسين لوبين أو “اللص الظريف” شخصية ابتكرت عام ١٩٠٥م على يد الكاتب الفرنسي موريس لوبلان، هذه الشخصية كانت بطلة روائية لسلسلة طويلة في روايات الجريمة، وترجمت الأعمال للعديد من اللغات من ضمنها العربية وكانت أول ترجمة عربية نشرت في بيروت عام ١٩٦٤م يبدو أنه بعد التأثر العربي بالثقافة الفرنسية. تتميز شخصيته بالذكاء والفطنة والأهم، الشهامة، فلوبين لص لايسعى للثراء بالرغم من قوة إمكانياته، لكنه يساعد في تقديم الجناة للعدالة وحل الجرائم، ويعتبر لصاً لأنه يفعل كل ما يفعله بشكل غير مشروع، فهو لايتبع الطرق القانونية للايقاع بالمجرمين ذو النفوذ، بل على العكس، يوقع بهم من خلال أعمالهم.

نتفلكس أثارت لدي فضول للبحث عن هذه الشخصية، التي بُني على اساسها مسلسل لوبين الفرنسي الذي من إنتاجها، الشخصية الأساسية محبة للشخصية الروائية ومنها تم العمل على المسلسل كلص شريف لايسرق وإنما يستعير، لايخرّب وإنما يصلح ما أفسده الآخرون، إسان وهو اسم هذه الشخصية بالمسلسل، شخص يحاول أن يبحث عن الحقيقة العائمة، مسلسل بوليسي تشويقي، أُنتج منه جزئين، كل جزء يحوي ٥ حلقات مدة كل منها مايقارب ٤٠-٤٥ دقيقة. التشويق في الجزء الأول أكثر، لكن الثاني يربط الأفكار بشكل أكبر.

هذا المسلسل لايعتبر العمل الفني الأول الذي بُني على هذه الشخصية، وإنما هناك مئات الأعمال التي تنوعت بين الأفلام الكرتونية، والمسلسلات والأفلام الواقعية. حتى أن هنالك بعض الأعمال التي تداخلت فيها شخصية لوبين مع شخصية شارلوك هولمز، ولم يكن هذا أمراً مستجداً بل أن لوبلان بنفسه قام بتأليف بعض الروايات التي تلاقت بها الشخصيتان.

وتجدر بي الإشارة إلى بعض الروايات اللطيفة المترجمة للعربية والمتوفرة كروايات الكترونية عبر موقع قراءة – كتب

الإعلان

المحتوى الخاضع للرقابة

في مساء أحد الأيام في منزل أختي، أتت ابنتي ذات الثمانية أعوام لتجلس بجواري، بالرغم من إعجابها العظيم بابنة أختي ذات الاثنى عشر عاماً، فسألتها مالخطب؟ أجابتني بأنها لم تجد ماتفعله، فابنة أختى تشاهد فيلماً مع ابنة ابنة خالي التي هي أيضاً تبلغ قرابة ١٢ عاماً، فقلت لها ولماذا لاتشاهدينه معهما؟ وكانت إجابتها بأن التقييم العمري للفيلم لايتناسب مع عمرها هي.

منذ توجهت للتلفزة عبر الانترنت، والذي يعتبر محتواه مفتوحاً وغير مقنن، صرت أهتم كثيراً بأمرين، أحدهما هو المحتوى الخاضع للرقابة، والآخر هو محاولة غرس ثقافة داخلية بالرقابة الذاتية لملاءمة المحتوى.

وأقصد بالأولى لا أن يكون المحتوى موجّه، بل على العكس فأنا لا أؤمن إطلاقاً بالتربية الموجّهة، ولكن أن يخضع المحتوى للتقييم من قبل جهات مختصة، مثلاً من أهم عناصر المحتوى، هو التصنيف العمري، لذا فمن المهم جداً لي عند اختيار منصة لمشاهدة التلفاز بهذه الطريقة، التصنيف العمري للبرامج. فبعض برامج الكرتون التي تناسب فئة الأطفال اكبر من ٥ مثلاً لاتناسب عمر السنتين.

وهنا يأتي أمر آخر مهم أيضا، وهو بالرغم من أن اللجنة المصنفة تقوم بالتصنيف بناء على توجهات معينة، إلا أن هنالك بعض الإشكاليات الدينية، أو السلوكية، التي قد لاتتناسب مع توجهات التربية لدي، لذا فإن من المهم أنه وقت مشاهدة هذه السلوكيات أن أؤكد -خصوصاً للعمر الصغير- على الأخطاء في هذه المشاهد وأن يتم اتخاذ رد فعل مثل أن ننهي مشاهدة هذا البرنامج وأن نقرر سوياً أن لا نشاهده مجدداً. طبعاً الممارسة اليومية قد لاتكون بهذا القدر من المثالية، لكني أحاول أن أصل.

الأمر يتجاوز المحتوى المخصص للأطفال، للكبار أيضاً فأنا شخصياً أفضل الكتب المسموعة التي مرت بمراحل متأنية نوعاً ما لكي يتم نشرها، على الإذاعات الصوتية أو البودكاست الذي قد يكون الوصول لمحتوى مميز من خلاله يستغرق وقتاً أطول، حتى لو كان الاثنان للشخص ذاته. لكني لأسباب عدة، يعجبني المحتوى الذي يمر بمراحل لكي يصلني، لأن الوقت الذي يستغرقه ليصل، يختصر الوقت علي للاستمتاع به، بينما على العكس فالمحتوى الذي يصلني سريعاً، يغلب عليه أن يكون أقل جودة، أقل اختصاراً، هي ليست قاعدة لكنها قد تكون ملاحظة.

وهذه التفاصيل بالأعلى هي محاولة لتوضيح مدى الفخر الذي أحسسته حين أخبرتني ابنتي السبب التي فضلت لأجله أن تجلس وحيدة على أن تندفع لهوى ذاتها، فخري بالمكانة العالية للرقابة الذاتية لديها، والتي بتوفيق من رب العالمين بدأت تتشكل في تكوينها. ففي عصر مشابه لهذا العصر، لايوجد مايمنع الشخص من ارتكاب الأخطاء سوى ذاته.

Cruella

المائة مرقش ومرقش، أو كما يختصر في العادة 101 مرقش، هي سلسلة من الأفلام أمريكية، مقتبسة من رواية المائة مرقش ومرقش للكاتبة دودي سميث 1956. الفلم المتحرك من إنتاج ديزني عام 1961 والذي غيّروا شركة ديزني من خلاله مفهوم الرسوم المتحركة، فبعد الجميلة النائمة 1959 والذي ناقشت بعده ديزني إقفال قسم الرسوم المتحركة بسبب قلة المبيعات للتذاكر. فكان هنالك تجربة أخرى لإنتاج الأميرة النائمة بالتعاون مع مصوري شركة زيروكس، والذي قلل الجهد والوقت والتكلفة بالتحبير للصور المتحركة التي كانت تعتمد على الرسوم غير المنتهية والتي تُعرض بشكل متسلسل سريع ليبدو على الشاشة وكأنه حركة حقيقية، فأصحبت الصورة الواحدة يتم تعديلها باستخدام تقنية زيروكس باستخدام الحاسوب. ومن ثم تم البدء بانتاج مئة مرقش ومرقش.

الرواية الكلاسيكية تبدأ ببحث كلب مرقّش عن صديقة، الكلب الذي يملكه عازف عازب، ويصادف أن يجد كلبة مرقّشة بصحبة امرأة جميلة، يجر صاحبه ليتنزها معاً ويتعرفان أحدهما على الآخر، تنجح خطته، يقع العازف بحب صاحبة الكلبة المرقشة ويتزوجان ويعيشان سوياً، ومن هنا تبدأ القصة، بظهور رويلا (النسخة العربية وكرويلا ديفيل بالنسخة الانجليزية) التي تقرر أن تصنع من الكلاب المرقشة معطفاً لها.

ومن هنا ظهر الفلم كرويلا (٢٠٢١) ليُسقط النظر على تاريخها، ومن تكون وكيف تشكلت هذه الشخصية لها، الفلم رائع، لطيف وممتع وجميل. يناسب كل الأعمار بالرغم من بعض المشاهد التي قد لاتناسب من هم اقل من ٧ سنوات برأيي.

الفلم من انتاج ديزني، بطولة الممثلة الرائعة ايما ستون، وايما ثمبسون، احداثه تدور في لندن خلال السبعينات.

الحياة الطيبة

حصلت على رخصة القيادة منذ سنةونصف، كان تدريبي في صباحات الشتاء، ولازلت أتذكر مدربتي التي كانت تسألني في كل مرة عن إمكانية فتح الشباك للاستماع لأصوات الصباح، وتعلق متعجبة من الذين يفضلون الاستماع للأغاني، وكيف أن الصباح لا يبدأ إلا بصوت السيارات وصوت الهواء الناتج من سير السيارة في الطرق السريعة داخل المدن، صوت الناس وأحاديثهم، والحقيقة أنّي بداخلي أيضاً كنت أفضل هذه الأصوات والتفاصيل الصغيرة، وصباح اليوم كنت أفكر بهذا الأمر على وجه الخصوص، كيف نمارس يومنا، وكيف نرا ذواتنا بتفاصيل قد نهملها لأنها تظهر بشكل سطحي، مثل ألا يبدأ اليوم إلا بكوب قهوة، أو أغنية مفضلة، أو مكالمة شخص مهم، أو نشاط معين. كيف أنني لمدة طويلة جداً كنت أعتقد أن النجاح يرتبط بالانجاز وكيف أنه كلما ظهرت بالشكل المشغول دوماً والذي لايملك وقتاً حتى لنفسه يعتبر منجزاً ناجحاً، وكيف أنني في هذه السنوات تحولت أفكاري من خلال ماكنت أعتقد أنه استسلاماً والذي كان تسليماً للظروف المحيطة، والتي أنارتني وجعلتني فعلاً أسلط الضوء على التفاصيل، ويكون يومي في بعض الأحيان يتجلى في ممارسة نشاط رياضي، ثم فطور لذيذ مع من أحب، ثم اللعب مع أطفالي ونهايةً بمسلسل كوميدي أو درامي أو استكمالاً لرواية، وفي نهاية اليوم أعلم أنه كان يوماً مثالياً بغض النظر إن كان شاقاً أو سهلاً، لكنه كان ممارسة لنشاطات أحبها، وبالمصادفة أقرأ للبنى الخميس هذه التويتة التي تقول فيها:

لا تستغرب إن وجدت [الحياة الطيبة] التي تبحث عنها بسيطة في ظاهرها، عميقة في تفاصيلها وتأثيرها، من كوب قهوتك إلى موعد رياضتك إلى سكينة خلوتك، إلى مجالسة أشخاص يشبهون روحك.

فعلاً إن الحياة الطيبة التي يطمح لها الانسان قد لاتكون إنجازاً ضخماً أو قد تكون، ولكن الانجاز الحقيقي هو الاحساس البسيط خلف هذا الانجاز، هي التفاصيل الصغيرة التي يمارسها خلال حياته اليومية، الشخصية أو العملية، كل ذلك يتجلى في تركيزه أو عدم تركيزه على السلبيات والايجابيات التي تواجهه. فمهما بدأ يومك، تستطيع أن تنهيه ليكون جزءاً من حياتك الطيبة. دمتم بخير.

ليالي السينما السعودية

1897613

عام ٢٠٠٣ كنتُ بالصف الثاني ثانوي، وكان النت في بداياته، والمنتديات أيضاً في بداياتها، لكنها مكتسحة للساحة الانترنتية، كانت القنوات التلفزيونية تقتصر على مجموعة بسيطة لاتتجاوز ٢٠ قناة، طبعاً هنالك المزيد باشتراكات محددة، ومن عاصر الانترنت في ذلك الوقت يتذكر مدى رداءة السرعة والاتصال الدايل اب، لكن ذلك لم يمنع موجة برامج التورنت التي تعمل على فكرة التحميل المتقطع، بل على العكس كل ماذكرته خلق فكراً جديداً للتجارة يعتمد على مقاهي الانترنت بالساعة، والبرامج والافلام المنسوخة على ديفيديات او اجهزة هارد دسك، مااستحثني على هذه الذكريات هو أحد المواضبع التي قرأتها، عن السينما والأفلام وكيف يتم التسويق لها، في قسم مختص باجديد الأفلام في احد المنتديات. كان الموضوع عبارة عن قصة لمبتعث سعودي في أمريكا، وفي كل اضافة جديدة يتم التعريف فيه عن فلم مغمور احياناً حتى لايكون انجليزي، وخلال القصة يتم مناقشة اراء حول الفلم والبحث حوله. مالا أنساه هو تصوري للشخصية الأساسية في القصة، وكيف أنه ينتهي من أعماله، ويتوجه لقاعة السينما بكل بساطة ويذهب وحيداً بقاعة فارغة ويشاهد فلماً، قد يكون هذا النشاط بداية ليومه أو حتى نهاية، لكن هذه الفكرة بحد ذاتها كانت مثيرة.

في خلال تلك الفترة كانت السينما متاحة فقط في الدول المجاورة، غالباً في حالة السفر، فكانت السينما ترتبط بالمشاركة، والأفلام التي فيها نوع من الفكاهة أو الاكشن، وغيره من الأفلام كان مستبعداً لوضع السفر والنشاطات التي يتطلبها السفر. وبعد عدة سنوات صار من المعقول السفر فقط لمشاهدة فلم في البحرين غالباً، في حال كان الفلم يصاحبه ضجة إعلامية ضخمة، أما الأفلام المغمورة التي كانت في مخيلتي فلم أشاهدها إلا في السينماءات المنزلية، أو على جهازي المحمول. ومنذ ذلك الوقت وأنا معجبة بتلك الفكرة، فكرة التوجه للسينما لمشاهدة عملاً فنياً لا للترفيه. وبعد مايقارب ١٥ سنة، أعلن عن افتتاح السينما في المملكة العربية السعودية، ومن هنا انفصلت السينما عن السفر وانفصلت لدي عن مفهوم الجماعة، بالرغم من جمال مشاركة مشاهدة بعض الأفلام كمجموعة ونشاط جماعي، إلا أن بعض الأفلام تستوجب الفردية بالمشاهدة. ومنذ ثلاث سنوات، صرت أحب استكشاف الأفلام المغمورة، مثل العربية، أو الغريبة المستبعدة.

كل ماسبق استحدثه للخروج تغريدة قرأتها عن ليالي السينما السعودية، عن أفلام قصيرة سعودية تم عرضها بسينما موفي جدة اليومين الماضيين مواكبة مع مهرجان البحر الأحمر السينمائي الذي سوف يقام خلال شهر نوفمبر القادم ٢٠٢١، عن الاتفاق مع مخرج عالمي لإدارة هذا الحدث، فالمسؤولين عن المنتدى والقسم في ذلك الوقت، الاشخاص الذين لهم اطلاع عالمي على الافلام التي تكون حديث الجميع أو التي قد لايعرفها أحد، بغض النظر عن لو كان لدينا دراسة اكاديمية للاخراج او الانتاج او …الخ، لدينا الشغف والرغبة للانتاج، وهذا مايظهر في جودة الافلام السعودية حتى لو اختلفنا بآرائنا، فإن ذلك لايقلل من جودة الناتج النهائي لدولة لم يتم السماح بالسينما بها إلا منذ ثلاث سنوات. بل إن ذلك يعد أمراً خارجاً عن المألوف، أن نحاكي العالم بهذه السرعة. وكل التوفيق للجميع في هذا المجال.

وقتي الخاص

أنهيت تمارين اليوم سريعاً، على الرغم من أن الوقت المخصص للتمارين ثابت ويقاس بنصف ساعة من غير انقطاع، إلا أنّي انتهيت على غير العادة في الخامسة تماماً، فيبدو أنّي حضرت أبكر بقليل، وأيضاً على غير العادة فالسائق لاينتظرني، مع أنّي استخرجت رخصة القيادة منذ أشهر لكنّي حتى اليوم لم أمارس القيادة إطلاقاً، فالقيادة ليست هدف بحد ذاتها، وإنما وسيلة، لذا وحتى الآن لم أقم بتفعيلها. جلست على كرسي انتظار خارجي أمامه ممشى طويل، وصرت أراقب جموع الناس يمارسون عادة المشي استغلالاً لآخر فترات الصيام قبل أذان المغرب وتناول وجبة الإفطار، ولأنني في هذه الفترة أحاول أن أتخلص من الرغبة العارمة التي تعتريني عندما أكون لوحدي في مكان عام فأبحث عن من يسليني خلف الشبكات، وإن لم أجد فأشارك صوراً أو ماشابه للمكان، أو حتى أحاول التسلي بقراءة أو أعمال عبر اللابتوب، فكان الهدف هذا الاسبوع هو الانفراد بالذات وسط الجماعة، فصرت لاشعورياً أبحث عن من يمشي وحيداً، ولاحظت -قد تكون مصادفة- أن الزحام فرادى، وكأن الجميع أتوا وحيدين يستمتعون بذواتهم، وصرت أتخيل تلقائياً وجودهم بمقهى أو مطعم، وأتعرف على نسبة المنسحبين منهم. قاطع أفكاري وصول سيارة السائق ليقلني إلى البيت.

منذ تلك الساعة وحتى الآن، مررت بالعديد من الأحداث الروتينية المنزلية، مثل تجهيز وجبة الفطور، وحل نزاعات أطفالي، وإتمام لوحة سريعة وإرسالها للطباعة، وتجهيز العيديات، والكثير من المهام التي تشغل الوقت وتجعلنا ندخل زوبعة الحياة. وبعد أن انتهيت من أغلب المهام، عدت للتفكير الممشى المزدحم بالفرادى، بالمقاهي والمطاعم الممتئلة بالأزواج والعوائل، وبنظرة خاطفة انتبهت لأظافري، وأنا أحب أن أراها ملونة، وهنا انتبهت للخدعة التي يغفل عنها الكثير منّا، وهي أن مانحب هو مايجعلنا نرى جمالنا، فالفكرة قد لاتكون بحث عن سعادة أو تصالح مع الذات أو حتى وصول لهدف، هي فقط رغبة داخلية عندما نمارسها تجعلنا نرى الجمال فينا. فمن يمشى لوحده هو يرى أنه يخفف وزنه بالتالي يرى جماله من خلال رشاقته، أو قد يكون يستمع لآيات قرآنية أو برودكاستات مفيدة تجعله يرى جماله عبر تدينه أو تثقفه. ومن خلال هذه الفكرة عدت للوراء سنوات، فزيارة لصالون التجميل، أو تغيير لون المناكير، أو قراءة رواية، أو إتمام رسمة، أو ممارسة الخبز، كلها أمور تصنفني داخل ذاتي بتصنيف أراه جميلاً بالتالي يجعلني أحبني أكثر بكل بساطة وما يزيد من محبتي لنفسي، هو مايجب أن أقوم به، وهو مايجب أن يدخل ضمن نطاق وقتي الخاص.

أهلاً بألواني

هنالك قصة قصيرة أحكيها لابنتي قبل أن تنام، عن أميرة في قصر ضخم تحب اللون الوردي فقط – نظراً لأن ابنتي في فترة من فترات نموها أصبحت تود لو تحولنا للون الوردي من شدة إعجابها بهذا اللون- وهذه الأميرة ترفض أي لون آخر، إلى أن تعب هذا اللون وقرر الهرب وقت نومها، وعندها تحولت جدران غرفتها إلى لون أحمر، وملابسها إلى متعددة الألوان، وسريرها وكل شي، و عندما استيقضت غضبت جداً، وصارت تقول أنا أكرهكم أيها الألوان، ثم حزنت كثيراً، ولم تنتبه أن الألوان أيضاً هربوا منها، وتحول كل شيء إلى الأبيض الباهت. عندها علمت الخطأ الذي اقترفته وذهبت للغابة لتبحث عنهم حتى وجدت كوخ صغير مليء بالألوان فعلمت أنهم بداخله، اعتذرت منهم وقررت الاعتدال في استخدام الألوان، بالرغم من تفضيلها اللون الوردي، لكنها ستستخدم ألوان أخرى.

هذه هي القصة المفضلة لها. فقبل النوم أصبحت “تشيك” على أدواتها الوردية، بالرغم من أنها لاتصرح بذلك، خوفاً من هروب الألوان منها.

في هذا الوقت أنا لم أفعل، حتى هربت مني الألوان ذاتها، بات كل شيء باهتاً ويفتقد للروح التي كانت تنعشه، هرب الشغف وهربت الحياة. منذ تلك المدة وأنا أحاول البحث، ليس عن الألوان طبعاً، إنما عن الروح المنعشة التي ستجعلني أعيد النظر، ففي كل شغف جديد، أجد أحدهم يحاول تصيّد هذا الأمر ليجعله تافهاً وغير جذاباً كما كان، في كل رغبة جديدة، يأتي آخر ليقتلع جذورها قبل أن تبدأ بالنمو، حول كل ذلك، صرت أفكر، كيف سمحت لهم؟ كيف تتهاوى هذه الرغبات قبل أن تظهر؟ لم أجد جواباً، لكني مع الوقت آثرت الاهتمام بمشاعري تجاه الأشياء، فقررت أن أتخلص من تتبع تفاصيل حياة الآخرين على السوشال ميديا، قررت التخلص من محاولة نقل طموحاتهم ورغباتهم لتصبح رغباتي، وذلك لأني صرت ألحظ أن منحنى المشاركة على السوشال ميديا يتغير، بدأت عناصره تتثاقل علي، تحول من كونه وسيلة لطيفة لمشاركة المشاعر واللحظات المميزة، إلى وسيلة للتباهي ومحاولة “توضيع” على مستوى شخصي -إن وفقت بترجمة كلمة بوزشننق- فبالنسبة لي أصبح اسلوب تصنيف، فقررت عدم متابعة أخبار الآخرين، وألغيت كافة تواصلي “سوشاليازياً” مع أي شخص أعرفه، فالمقربين يفترض أن أعرف أخبارهم منهم ذاتياً أو عبر الآخرين المقربين منهم ذاتياً، وليس من صور أو كلمات يشاركوننا إياها.

هل جعل ذلك الألوان تهرب مني؟ لا بل هو طريق أشهب تخلوه الألوان يفضي لحديقة خلابة. بعد عدة سنوات من بقاء هذه التدوينة على رف المسودات، أعود اليوم وبكل ثقة لأقول لا. بل على العكس، انتعشت ألواني من جديد، ووصلت لمرحلة زاهية، متزنة، مصدرها أصيل ينبع من ذاتي للعالم. وأزهر الشغف من جديد، في كل شيء، من الاهتمام بالمنزل الى التربية الى العمل الى الفنون الى الموسيقى الى الحياة بكل مافيها. تخليت سابقاً من التعلق بأرقام المتابعين، عن حشو مخي بمعلومات وذكريات لاتخصني، وعدت للسوشال ميديا من جديد، عدت وأنا أعي أنها مجرد أدوات تسهّل الحياة. فكما كنت أصرخ باندفاع سابقاً أقول أنني محور الحياة، أكررها اليوم باتزان وبدون ردة فعل. بي تكمن الحياة. فأهلاً بألواني

وكل مما يليك

يقول الرسول ألف الصلاة والسلام عليه: “ياغلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك”، كأم في منزل فيه ثلاث أطفال أكبرهم بسن السابعة، يتكرر هذا الحديث كثيراً وقت الاجتماع حول المائدة، بداية بعد وضع الطعام، نسمّي، ويذكّرون بعضهم بعضاً وقد يذكروننا أحياناً، ومن ثمّ تطبيق الأمر الثاني وهو التذكير بالأكل باليمين، ونظراً لأن لكل منهم صحنه الخاص أتجاهل الأمر الثالث “كل مما يليك”. وهنا تبدأ المراحل الخاصة بهم والتي يسيطر عليها مراقبتهم لبعضهم، فيتحول الأكل إلى مسابقة يودّ الجميع الظفر بالمركز الأول، على الرغم أنّي يوماً لم أكافئ الأول، ولم أعاقب الأخير، واهتمامي يقع على إنهاء الطعام وعدم إبقاء بقايا بالصحن إكراماً للنعمة التي أنعم الله بها علينا. ولكن عملية المراقبة وتصيد الأخطاء على الآخرين تكاد تكون المسيطرة خلال الأكل، فكل منهم يراقب الآخر وينتظر أن يأكل الطبق الرئيس قبل السلطة، أو أن يقفز للحلوى قبل إنهاء الوجبة، أو في حالات نادرة أن “يلمس” الهدية المصاحبة للوجبة.

قد تكون مجرد مناوشات أطفال. لكني للتو “اهوجس” وانتبهت أنها ليست مقتصرة على الطفولة، وليست مقتصرة على وقت الأكل، وإنما هي عادة داخلية يمكنني تجاهلها وقد تكبر معهم أو تختفي مع الوقت، لا أحد يعلم؛ لكن ما أعلمه يقيناً هو أن المنافسة في الحياة مستمرة، وأن تقييم الذات يصاحب الشخص إما لترفيعه أو لتحجيمه، وهذا التقييم مرتبط بمراقبة الآخرين ومقارنة ذاته بهم وتصيد الأخطاء إما عليهم في الأولى أي الترفيع الذاتي أو على ذاته بجلدها في الثانية أي تحجيمها، وهنا أيقنت أن تربية الأطفال هي صعبة ليس لصعوبة تعليمهم الصواب من الخطأ وإنما لأنها تنشئة مسلمات داخلية عميقة من خلال الحياة اليومية التي يعيشها الطفل، ودور المربي ضخماً في الانتباه لتفاصيل هذه الحياة، وتفاصيل التصرفات التلقائية التي هي مسلمات في طور النشئ والتي يمكن في هذه المرحلة من مراحل حياة الطفل توجيهها وتصحيحها.
أطفالي اليوم يراقبون بعضهم بعضاً وهذا أمر جيد، لكن لابد من إيجاد طريقة تساعدهم على الاستفادة الذاتية من هذه المراقبة، من التطوير الذاتي بناء على هذه المراقبة، على النقد البناء الذي يجعل التركيز الذاتي هو النقطة التي ينطلق منها النقد وليس العكس.

وأكتب هذا الموضوع ومازالت تعلو الأصوات: ماما، سليمان شرب العصير وما خلص البرجر، ماما لبنى أخذت اللعبة وهي ماخلصت….. والردود التلقائية كانت من قِبَلي -وأنا أكتب-: “كل أحد مسؤول عن أكله” أو “لا أحد يراقب غيره إلا لما يخلص”. وتغافلي عن التوجيه الثالث من توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم “كل مما يليك”. الذي أعلم الآن بعد أن أنهيت تقريباً هذا المقال أنه تلخيص لكل ما قلته، فهو قد يبدو توجيه مباشر لمن يأكل مع الجماعة بأن لايتجاوز جهته، لكنه توجيه غير مباشر لمن يأكل منفرداً بسفرة جماعية أن يولي انتباهه على الذي يليه فقط ولا يعير انتباهاً لما هو مع الآخرين أو حتى مايفعله الآخرين. فهو رسالة حياتية مهمة جداً ومسلمة يجب أن تكون راسخة ومتأصلة.

انسلاخ العلاقات

في أحد المساءات في الأيام السابقة، يصرّ ابني الأوسط (ثلاث سنوات) على أن السلحفاة كائن مخيف ومؤذي ويطلب منّي ومن والده أن نطمئنه على قدرتنا بحمايته منها، ومن خلال محاولتي لطمأنته، وجدتنا نتفرج على الصور لرحلاتنا الماضية، وجدنا صوراً لنا مع سلاحف معمرة نطعمها ونجلس بجوارها، وشملت هذه الصور على أصدقاء قدامى لابنتي الكبرى التي علّقت متعجبة من عدم تذكرها إياهم، ولمَ لم تستمر علاقتها معهم. وصارت تلوم عدم وجود طرق للتواصل نظراً لكونها انتقلت من مدرستهم.

ومن هنا صرت أفكر بصحة كلامها، نعم أتفق أن عدم وجود وسيلة للتواصل تنهي العلاقات، لكن هل يجب أن تستمر العلاقات، أتذكر دوماً كلمات لصديقة لي: الانسان خُلق ليتغير وليتطور، وإن ظل على حاله فهذا دليل مشكلة تواجهه. وأتفق كلياً معها، فالانسان يمر بمراحل عمرية متعددة، ومراحل فكرية أيضاً متعددة، في كل مرحلة يجد من يؤنسه، والمؤانس قد يكون صديقاً، زوجاً، ابناً أو أياً كان، حتى عملاً أو روتيناً، ومن خلال انتقاله لمرحلة أخرى من مراحل حياته فإنه يغيّر متطلبات المؤانس مما قد ينهي العلاقة بدون ضرورة انتفاء سبل الاتصال. طرق السير بالحياة تتغيير وتتبدل، والحياة تستمر

وصورة السلحفاة المخيفة التي تتشكل بذهن ابني، ماهي إلا التخوف من الانتقال المرحلي الذي يمر به، والذي يجعله متعلقاً بي رافضاً الانعطاف، أو ربما راغباً بالانعطاف وراغباً بأن أنعطف معه وأرافقه مسيرته. هو ذات التخوف الذي يواجهنا عندما نبدأ بفقدان القدرة على الاتصال المعنوي مع من هو رفيقنا بهذه الحياة، فإما أن نتشبث بدون معرفة بمجريات التغييرات وتنتهي العلاقة، أو نتبه للتغيرات الطارئة ونتشبث بدراية ومعرفة بأنه لاشيء يدوم وأن الحياة رحلة قد تكون مع السلحفاة المخيفة أو مع مصادر الأمان.

ماذا يعني أن أكون أمّاً؟

قبل أن أجيب على هذا السؤال، سأذكر بعض المعلومات عنّي والتي قد تكون غريبة بعض الشيء نظراً لقولبتنا وتشخيصنا التلقائي اللاواعي للآخرين الذين يعبرون قصّتنا في الحياة.

فأنا ريما، لم أفكر مطلقاً أن أصبح أماً، بل على العكس، مررت بمرحلة سوداوية كفاية لتجعلني أتساءل -إن صحّ القول- عن السبب الرئيسي خلف الرغبة الوجودية بالانجاب، وهل هي تنم عن وعي انسان عاقل أم أنها مجرد فطرة حيوانية للتكاثر؟ ماهو السبب الذي قد يجعل الآباء أنانيين لكي ينجبوا أبناء لعالم مليئ بالمعاناة مثل هذا العالم.
وهذه الفكرة تعتبر موقف فلسفي قديم ويطلق عليه الظاهرة اللاإنجابية، وقد تحدث عنها الكثير من المفكرين مثل شوبنهاور، و سيوران، وأبو العلاء المعري، وغيرهم.
وأعود لذاتي، مالذي تغير؟ لم أتغير حقاً، لكنّ أفكاري مطاطية كفاية لأن أتجه لأقصى اليمين وأنا أؤمن بشدة بأقصى اليسار. بأن أدع التجربة المعاكسة تقودني وأستدل. أو ربما أعرف في أعماق أعماقي أنه أمر روحاني يدبّره الله ويحيينا من خلاله.

وفقاً لهذه المقدمة، فهل الأمومة هي مرحلة الأنانية المطلقة التي يقرر فيها شخصان بناء على رغبات داخلية ملحة فيهما للانجاب؟ إطلاقاً. فالأمومة أبعد ما يكون عن الأنانية، أن أكون أماً يعني أن أمتلك -وبقصد انتقيت مفردة الامتلاك- أن أمتلك أجمل روح على وجه الأرض، وأتركه حراً طليقاً ليواجه العالم بمساندتي، يعلمني وأتعلم منه، أعتقد أنّي أشكّله لكنه يعيد تشكيلي، أعتقد أنّى أربيه لكنه يربيني، وأخيراً أعتقد بداية أنّي أمتلكه، لكنّي أحاول جاهدة ألّا يمتلكني، لنعيش سوياً في هذه الحياة، نتشارك الطريق للنهاية التي رُسمت لنا، نستمتع بها سوياً، بدون شروط. وهكذا تصبح الأمومة حياة بدون أن تتجسد الحياة بالأمومة.

وعيد أمهات سعيد على الجميع.