منذ كنت طفلة صغيرة كنت لا أعطش إطلاقاً، فأنا لا أحس بالعطش، وعندما واجهت مشاكل جمة بسبب قلة شربي للماء مثل آلام الكلى والمرارة، وكثرة الحصوات، صرت أحاول بجد حل هذه الإشكالية، وهي عدم إحساسي بالعطش، وكنت أستشير كثير من الأطباء حول هذه المشكلة، وكان الكل يرشدني إلى أنها عادة سيئة وليست دلالة على أي نقص أو زيادة للمعادن أو الفيتامينات داخل الجسم عكس العطش الشديد الدائم الذي هو من دلالات نقص البوتاسيوم، لكن عدم العطش هو مجرد عادة سيئة يجب التخلص منها عبر إعادة جدولة، أو ترتيب أولويات، إضافة برامج للتذكير بشرب الماء، والبحث عن حلول.
مرّت الأيام، وأنا كعادتي أحب كثيراً الحلوى، ونظراً لرغبتي بالتركيز على نظام صحي بدون ترتيب وجبات وإنما عبر عادات غذائية أفضل، قررت تقليل السكريات المكررة، وبدمج التخلص من عادة سيئة وإبدالها بعادة جيّدة، قررت أن أشرب الماء خلال الوقت الذي أرغب به بالشوكولاتة أو المحليات. ومن هنا أعدت جدولة دماغي، فصرت أعطش.
كان العطش علامة واضحة على الارتواء الأولي، على الطريق للامتلاء ومن مبدأ الضد فكرت بالفراغ، وهنا انتقلت تلقائياً لتعريف ديكارت المحبب على قلبي، بأن الفراغ هو امتداد للمادة، فلايوجد بالكون فراغ، وإنما اختلاف محيطات، وندخل هنا على تفاسير الفراغ الفيزيائية التي تقول بانعدام المادة، فهل هنالك انعدام للمادة؟ بناء على فكر “لابينتس” الفيلسوف الألماني، فإن مفهوم الفراغ هو نابع من إدراكنا للأشياء. إدراكنا للمادة يجعلنا نعلم أن انعدامها يعني فراغ، ولو لم تكن هناك أشياء لما كان هناك وجود لمفهوم الفراغ. ولكن هل الفراغ فكرة أو حقيقة أم لاشيء، وكيف يكون الفراغ شيئاً وهو فراغ، وهو انعدام الشيئية؟ وانتقل اجابة على هذا السؤال لفلسفة “كانت” الذي يعتقد أن الفراغ مجرد اعتقاد يحدث باللاوعي نتيجة للوعي، فالفراغ هو عدم الفهم أو عدم قدرة العقل البشري على الاستيعاب نظراً لانعدام التجربة السابقة التي يستطيع الاسقاط عليها.
ومن هنا، يظهر انعدام الارتواء نظراً لعدم استيعاب عقلي المحدود على مفهوم العطش، واستبداله بما يعرفه واسقاط العطش على السكريات. فكيف برمجت ذاتي بذاتي بدون وعي منّي على مدى السنوات، وكيف بأقل من شهر استعطت بدون وعي منّي أيضاً إعادة تلك البرمجة لأي هذه الحقيقة، فالارتواء هو مااحتجته للإحساس بالعطش، والامتلاء هو مانحتاجه لنعي الفراغ.