
اعتدت أن تبدأ صباحاتي وإن كانت متأخرة بالتمارين الصباحية التي يليها كوب قهوة وكتاب في حال لم يكن لدي عمل يتطلب التسليم، وهذا الاسبوع قررت استكمال رواية ” الفتى المتيم والمعلم” والتي بدأتها قبل أشهر وصلت للنصف حيث بدأت التفاصيل تتعاظم، ومن هنا صرت أضيع وسط الرواية أوقات كثر، وقررت ألا أستكمل بهذه الطريقة من القراءة، وبداية هذا الاسبوع رأيت الكتاب مصادفة وتحمست لمعرفة ماذا يحدث لجهان تلميذ المعلم المعماري العظيم سنان. الرواية من تأليف أليف شفق، يكتب اسمها أحياناً شافاك أو شافاق، وأياً كانت الترجمة العربية لاسم إليف، فإن الكاتبة التركية قد استوحذت على فكري منذ قراءتي لرواية قواعد العشق الأربعون، وبعدها حليب أسود، وبعدها قصر الحلوى، والتي بالمناسبة لاتصل لقوة الروايتين الأسبقتين، لكنها رائعة بطريقتها الخاصة، إليف شفق، ولدت لأم دبلوماسية وأب فيلسوف، عاشت مع أمها بعد أن انفصل والداها بعد بلوغها سنة واحدة من العمر، تنقلت بين دول العالم، درست في أمريكا ثم أصبحت محاضرة في جامعة أريزونا في علم الدراسات والأجناس. عادت بعد ذلك إلى تركيا في رحلة مؤقتة ثم تزوجت وانجبت طلفين، بعد الأول أصدرت كتابها الذي هو عبارة عن سيرة ذاتية لها “حليب أسود”.
رواية الفتى المتيم والمعلم، تأريخ للمعماري سنان الذي كان المعمار الأعظم في عهد السلطان سليمان سلطان الدولة العثمانية. هذا المعماري الذي نرى بصمته في كل مكان في اسطنبول، لاسيما أنه هو الذي شيد الجامع السليماني. تتحدث الرواية عن المعلم وتلاميذه، خصوصاً جهان، الذي فقد والده وقرر ان يهرب بعيدا ليكبر ويمتلك اسباب القوة ليصبح التلميذ الأقرب للمعلم الأعظم، حيث تبدأ الرواية بالعبارة الأخاذة: “إلى التلاميذ في كل مكان: لم يخبرنا أحد بأن الحب كان أشق الفنون تعلماً”
هذه الرواية في سردها وتفاصيلها لاتحتوي الكثير من الكلام المنمق، لكنها تحتوي العديد من الدروس العظيمة، الذي ترسخ بذاكرة القارئ، التي تعلمه عبر الاسلوب القصصي، قد تكون في بعض تفاصليها نوعاً ما مملة نظراً للتخصص الدقيق في رعاية الحيوانات أو في اسلوب العيش العثماني والحريم أو في المعمار وتفاصيله، لكنها بمجملها مثل فلم ذات موسيقة مؤلمة تظل تعايشنا حتى بعد انتهاء الفلم.
واذكر هنا بعض الاقتباسات التي استوقفتني:
“أحياناً، لابد أن ينفطر قلبك يابني من أجل أن تزهر روحك”
“إذا فشلت فسوف أفشل بمفردي، ولكن إذا نجحت فسوف ننجح كلنا”
“إن قيمة ايمان الفرد لا تعتمد على متانته وصلابته ، بل على عدد المرات التي سيفقد فيها ذلك الايمان ويبقى قادرا على استعادته”
“في الحياة نعمتين: الكتب والاصدقاء، وعلى المرء ان يمتلك هذين الشيئين على نحو مختلف: اكبر عدد من الكتب وقلة قليلة من الاصدقاء”
“عندما يحدث للمرء تغيّر مفاجئ، فإنّه يتوقّع أنّ العالم أيضًا تغيّر إلى حدّ ما.”
“المعلمون عظماء، لكن الكتب أفضل منهم. فمن يمتلك مكتبة يكون لديه ألف معلم”
“إن مركز الكون ليس في الشرق ولا في الغرب بل هو في المكان الذي يستسلم فيه المرء للحب”