الحياة الواسعة

قرأت مقولة لاخصائية في الطب النفسي تقول: “من الصحيح أنه مع تقدمنا بالعمر يصبح من الصعب علينا التطور”. استوقفتني هذه العبارة بعد حوار لطيف مع ابنتي جربت فيه تحليل SWOT لتعرف ماهية الفرص المناسبة لها والتحديات التي تواجهها في ظل نقاط قوتها وضعفها، أعجبها جداً وقررت أن تخوض معي التجربة، فأخبرتها أنّي انتهيت من التجارب العملية، وحمداً لله أني عرفت اتجاهي من عمر صغير، وماهو اتجاهك؟ سألتني. أخبرتها الاستقالة. وترك العمل المؤسسي. وذلك لمعرفتي ويقيني على أنّي جربت جهات لابأس بها وبنيت نظرة أعلم اليوم أنها قاصرة.

وقبل فترة قمت بتجربتين مذهلتين، إحداهما لا أعلم عنها سوى اسمها فقط، والأخرى لا أعلم شيئاً حتى أنّي لم أسمع بها مسبقاً، لكني حضرت بناء على إلحاح صديقة لي، وكنت وقتها قد عدت بالأمس من أجازة قضيتها في منتجعات إحدى الجزر، وكنت أتأمل ذلك الوقت في فكرة السفر الذي أصبح إلى حد ما متشابه، وعلى مرأى متكرر من أعيننا، فنحن لم نعد نستكشف وإنما نكرر التجارب، فاختفت الدهشة التي تحيط بنا وقت السفر، وكل ما يحدث أصبح متكرراً لحد كبير، إضافة للتعولم الذي حدث في السنوات الأخيرة، فالدول تداخلت والأسواق تشابهت والحياة في كل دولة كانت تشبه الأخرى إلى حد كبير. ولابد لكل منّا أن يبحث عن الطريقة التي تناسبه ليستعيد الدهشة والمتعة المصاحبة لألّا يقع في فخ الرتابة التي قد تصاحبنا حتى خلال التجدد والتغيير، فلو كانت المتعة في المشاركة أو المتعة في التوثيق والنشر أو الاستكشاف أو حتى الاسترخاء، فلنحقق ذلك، فلنحقق الدهشة لأنفسنا، لكن أولاً لابد وأن نعرف ذواتنا ومايشعرنا حقاً بالسعادة لنتمكن من إيجادها.

وكما ذكرت كنت قد عدت من رحلة مليئة بالتجارب. ولم أنفصل بعد عن مرحلة خوض التجارب الجديدة ولم أفوّت الفرصة استجابة لصديقتي التي أعلم أن لديها عالم لا تتحدث عنه، فهي على النقيض مني قليلة الحديث عن تجاربها العظيمة. حضرت التجربة بلا أي تصور مسبق، وخلالها انتابني شعور عميق، وأعلم أنه حقيقي، بسعة الحياة، فالتجارب المختلفة التي قد نمارسها خلال سفرنا أو في مقر دارنا، هي تجارب جاءتنا من أقاصي الأرض وهنالك من تعنّى وبحث لتصلنا أو لنصل لها، ففي كل مرة أعتقد أن الحياة باتت تتكرر وأنّي جربت الكثير، تفاجئني الحياة بأن هنالك الكثير لاأعرفه، ولم أتعرف عليه، وتفكيري بأنّي عشتُ السِعة يجعلني أضيق، أضيق من التكرار ومن تفكيري الضيق، الذي يمنعني حقاً من التفكير بالكم من الحياة الذي لم نره بعد.

لذا فيا ابنتي لا تكرريني، ولاتكرري أحداً، والأهم لاتكرري ذاتك، وجربي كما أنتِ، جربي الحياة، جربي تفاصيلها، خوضي بالتجارب المتجددة، عيديها وجدديها، اكتشفي ذاتك وأعيدي اكتشافها. فنحن نمر بمراحل تغيرنا، وتعيد تشكيلنا. فالصعوبة التي تمنع الثلاثيني من التطور هو فكره، وفكره بأنه عاش قدراً من الحياة يجعله يعتقد أنها عاشها كاملة. فهو حقيقة أقفل عقله على ضيق، ورفض سِعة الحياة، اعتقاداً منه أنه عاش الحياة الواسعة.

الإعلان

Urth

بدأ ايرث كافيه باعتباره حلم جيلا وشالوم بيركمان منذ أكثر من 25 عامًا. في عام 1989 ، التقيا بمزارع للقهوة في بيرو يُدعى خورخي ينتج البن العضوي. وكانت القهوة في ذلك الوقت واحدة من أكثر السلع الغذائية المعالجة كيميائيًا في العالم. وقرر آل بيركمان أن يصبحوا روادًا في القهوة العضوية غير المعالجة.
بعد عدة سنوات من تعلم كيفية تحميص وتحضير قهوة رائعة ، أطلقوا أول شركة قهوة عضوية حصرية في البلاد. أطلقوا عليه اسم ايرث كافيه لأن Urth هو تعتبر تهجئة قديمة لكلمة الأرض. لقد أرادوا اسمًا يجسد الثراء الطبيعي للأرض والقهوة العضوية اللذيذة الموروثة. كانوا أيضًا يستوردون ويمزجون يدويًا أنواع الشاي العضوي الفاخر ، لذلك تمت إضافة “أنواع القهوة العضوية والشاي الفاخر حصريًا” إلى شعار المقهى. كان شلوم وجيلا بالفعل رائدين في “ثورة الغذاء العضوي”.

في عام 1991 ، افتتح شالوم وجوليا أول موقع لـ ايرث كافيه في مانهاتن بيتش ، كاليفورنيا. سرعان ما اصطف العملاء خارج الباب لشراء القهوة والشاي العضوي. بعد ثلاث سنوات ، حان الوقت للانتقال، لذا توسع الزوجان إلى مساحة أكبر في شارع ميلروز في حي التصميم في ويست هوليود ، وأضفوا قائمة الإفطار والغداء والعشاء الخاصة بهم. في عام 1997 ، تم التعاقد مع شيف تنفيذي إيطالي لخبز جميع أنواع خبز الحبوب القديمة والحلويات الفاخرة في المنزل.

وهذي نتيجة بحث اليوم عن معنى كلمة urth.

١٤ فبراير

الامبراطورية الرومانية بدأت بعصور تسبق الدين، فقد كانت مبنية على الآلهة والشركيات بمختلف أشكالها، وحتى أن الدين بحد ذاته كان يطلق عليه الدين الروماني، وقد كان التوسع والخيرات التي تتحقق غالباً ترجع بفضلها للأصنام والآلهة المخترعة من قبلهم والتي تزامنت مع الأجيال وكان المقياس هو “تأخذ بالقدر الذي تعطي”، بالرغم من ذلك فلم تكن الثقافة الرومانية منغلقة دينياً، بل كانت تتبنى الأديان في توسعاتها وضم الشعوب المختلفة لها، فقد كانت الامبراطورية الرومانية من أعظم وأكبر الامبراطوريات على وجه الأرض، حتى بزوغ اليهودية التي هي بحد ذاتها منغلقة وترفض الاندماج بوضوح منهجها ( الذي نعرفه كمسلمين بأن منهجها التوراة وهو منزل من عند الله) والذي قد يفسر صعوبة الاندماج مع الدين الروماني الشركي، وخلال ذلك الوقت بدأت الخلافات الدينية بشكل واضح في التاريخ، وبدأ التعصب الروماني، ليصبح الدين الروماني هو المعتمد ومنع حرية التدين. وخلال هذه الفترة يظهر الدين المسيحي وتبدأ الصراعات مجدداً واعتبر أن أي شخص يمارس أو يبشر ستكون عاقبته الصلب والموت.

في يوم ما في القرن الثالث الميلادي حين تم التشكيك بنزاهة أحد القديسين المسيحيين ومحاكمته بتهم التبشير وتزويج المسيحيين، وفي خلال المحاكمة، طلب منه القاضي أن يطلب من الله إعادة البصر لفتاة عمياء تم إحضارها للمحاكمة يقال أنها ابنة متبناة للقاضي. وضع القديس يده على عيني الفتاة وبدأ يدعو الله، وفوجئ الجميع بعودة بصرها. حينها كان القاضي مستعداً لتنفيذ كامل طلبات القديس، التي كانت تتضمن صيامه ثلاثة أيام وتكسير الأصنام وإعادة تعميده هو وعائلته ومن معهم، وقد تم ذلك كله. وبعد فترة تم القبض عليه مجدداً بالتهمة ذاتها ولكن هذه المرة تم إرساله إلى الامبراطور الروماني، ولكن الامبراطور أعجب به وأبقاه لجانبه، حتى بدأ القديس بمحاولة إقناع الامبراطور بالمسيحية، عندها أدين القديس بالإعدام، وتم إعدامه عام ٢٦٩ في ١٤ فبراير. وقد قيل أنه قبل إعدامه ، كتب القديس ملاحظة إلى ابنة القاضي موقعة بـ “من ڤالنتاينـ ـك” (your Valentine).

ومع بداية القرن الثاني، بدأ آباء الكنيسة بشجب مختلف الممارسات الدينية التي يقوم بها الناس في أنحاء الإمبراطورية ووصفوها بالشركية. وفي بداية القرن الرابع، كان قسطنطين الأول أول إمبراطور يعتنق المسيحية وبدأ عصر الهيمنة المسيحية. وفي عام ٣٩١ أصبحت المسيحية هي الدين الرسمي لروما وتم التخلص من الديانات الأخرى.

وبناء على ذلك بعد قرن من الزمان تم تسمية عدد من الكنائس باسم القديس فالنتاين في الامبراطورية تكريماً له. والتي هي موجودة حتى هذا اليوم في روما. ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل إن الأعمال التي كان يقوم بها القديس من أجل الدين المسيحي كانت تستدعي التوقف عندها وتخصيص يوم استشهاده لتكريمه في الكنائس في كافة الامبراطورية، وقام بذلك البابا جلاسيوس الأول في القرن الخامس ميلادية بتحديد هذا اليوم ١٤ فبراير ليكون عيد القديس فالانتاين. ولكن مع ذلك لم يتعارف عليه بالعيد الذي يرمز للحب إلا عندما تم تخلت الكنيسة عنه كعيد ديني ليصبح، عام ١٩٦٩م، عيداً يحتفلون به العامة، احتفاء بالحب الذي كان القديس فالانتاين يساعد على نشره بتزويج المحبين المسيحيين.

وإلى هنا أكون أشبعت فضولي بخصوص عيد الحب وتاريخه. قد يكون هنالك بعد عدم تحري الدقة وذلك لكثرة الروايات وعدم اتفاقها. ولكني قمت بتلخيص أكثر الروايات انتشاراً.

ونتر وندرلاند

لأكثر من 10 سنوات ، بدأ وينتر وندرلاند في هايد بارك في مدينة لندن ينشر روح عيد الميلاد في جميع أنحاء المدينة. وسريعاً أصبح مهرجان الشتاء حدثًا بارزًا لسكان لندن والسياح على حدٍ سواء. مع بدايات متواضعة كسوق عيد الميلاد في الهواء الطلق في هايد بارك ، نمت وينتر ووندرلاند منذ ذلك الحين لتصبح جذابة مع التزلج على الجليد والعروض وركوب الأفعوانية وأكشاك طعام الشوارع والبارات الاحتفالية والموسيقى الحية. لا يزال الدخول مجانيًا إلى أراضي ونتر وندرلاند والاستمتاع بالأجواء السعيدة، طبعاً بلندن وليس بالرياض ؛). مع أكثر من 100 لعبة ومعلم جذب مذهل ، فلا عجب لماذا يعود آلاف الزوار إلى وينتر وندرلاند كل عام للاحتفال بموسم عيد الميلاد.

أما الفكرة خلف المشروع والاسم تحديداً يعود لأغنية تعد من أشهر أغاني الكريسماس بنفس الاسم وينتر وندرلاند. والقصة خلفها غير مألوفة للجميع. تبدأ أصولها في هونسديل بولاية بنسلفانيا. كتب رجل محلي يدعى ريتشارد سميث قصيدة في عام 1934. كان يعالج من مرض السل. أثناء علاجه ، دخل في مسابقات للأناشيد وإعلانات الشركات. زعمت شقيقة ريتشارد سميث ، مارجوري دبليو سميث ، أن شقيقها كان مستوحى من جمال الثلج المتساقط حديثًا في الحديقة عندما كتب قصيدة “وينتر وندرلاند”. السل كان مرضًا شديد العدوى يصيب الرئتين بشكل أساسي ولكنه يتسبب أيضًا في تلاشي أنسجة الجسم الأخرى. كان السبب الأكثر شيوعًا للوفاة طوال القرن التاسع عشر. في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ، اشترى الناس أختام عيد الميلاد (طوابع) عليها صور لسانتا كلوز. ذهبت الأموال من الطوابع إلى الجمعية الوطنية لمكافحة السل. مات سميث بعد سنة قبل أن يسمعها كأغنية لحنها صديق يهودي له، وأصبحت من أهازيج الميلاد.

بدأت وينتر وندرلاند في عام 2005 كملاهي صغيرة تعمل خلال فترة عيد الميلاد على حافة هايد بارك. أدى عدم النجاح إلى قيام شركة “ذا رويال باركز” بإلقاء نظرة على الأحداث البديلة. في عام 2007 ، دعت رويال باركس شركات منظمة أخرى للتعاون في تنظيم الحدث الجديد. يشمل الحدث سوق الكريسماس وحلبة التزلج على الجليد المؤقتة والعجلة العملاقة ومجموعة صغيرة من جولات التسلية على طول طريق سربنتين في هايد بارك. وظلت تعمل وتتوسع، بحيث يتم افتتاح المكان والعمل عليه منتصف نوفمبر وحتى منتصف يناير، لبث روح الأعياد والاحتفال ببداية السنة من كل عام، ومنذ 2005 وحتى 2020 لم يمر سنة بدون تواجد ضخم لهذا المهرجان، إلا أن أحداث الكورونا أدت لتوقفه عن العمل السنة الماضية، وقد أعلن موقعهم الرسمي إعادة الافتتاح 19 نوفمبر القادم. واليوم هي تقام بشكل متنقل في عدد من المدن في العالم.

هذا البحث كان نتيجة تساؤل عن السبب الذي نتج منه اسم مدينة الملاهي المتنقلة والتي أقيمت في مدينة الرياض لعام 2019 وأعيد إقامتها اليوم.

بوب ات #popit

يأتي ابني بعمر السنتين يركض مسرعاً يحمل معه لعبة من السيليكون ملونة مقسمة طولياً وفي كل قسم مجموعة من أنصاف الدوائر المرتبة بجوار بعضها البعض، وتلحق به ابنة أخي، التي تكبره بتسعة أشهر لتطالبه بلعبتها التي سرقها منها. وخلال اجتماعنا القادم طلبت أمي مجموعة من اللعبة ذاتها لتوزعها على الجميع.

هذه اللعبة إن صح القول، مشابهة لفكرة التغليف الفقاعي الذي يحمي المنتجات القابلة للكسر، فهي تُشغل اليدين والفكر، هذه اللعبة حالياً تنتشر بشكل سريع جداً، فكيف تم ذلك؟

حاولت البحث لأيام عبر كلمات متعددة ولم أجد أي وسيلة تربطني بالمستكشف لهذه اللعبة أو براءة اختراع، كل ماوجدته أن الانتشار كان عبر وسائل الإعلام (السوشال ميديا) وتحديداً التيك توك من خلال الوسم (#popit) فمن يملك أي معلومة تشفي غليل الفضول لدي في لو كانت هذه اللعبة متصلة بفكرة التغليف الفقاعي (bubble wrap) يدلني.

بالمناسبة خلال البحث وجدت أن هذه اللعبة هي اللعبة التي أنهت ثورة السبينر والذي كان عبارة عن حلقة معدنية تحتوي ثلاث رؤوس، وانتشرت على نطاق واسع جداً أيضاً عبر السوشال ميديا، لكن ما أثار اهتمامي هو أن المخترعة لهذه اللعبة هي أم تحاول شفاء ابنتها فاخترعت لها هذه اللعبة وفعلاً الفتاة أصبحت أفضل حالاً، حيث تدخل تحت تصنيف ألعاب تخفيف التوتر والقلق، فهي تقوم بتركيز التفكير على اشغال اليدين. واستحوذت الأم على الملكية الفكرية الحصرية لمدة أربع سنوات، بدون أن تحصل على أي عائد مالي، ولم تجدد الملكية الفكرية نظراً لعدم قدرتها على تحمل التكلفة، وبعدها بقرابة سنة، ظهرت اللعبة على السوشال ميديا وصارت ضرورة لكل طفل يحملها في كل مكان.

هذه الألعاب التي تستحوذ على التفكير وتشغل الأيادي تصنف كمخففات للقلق والتوتر. وهي تستخدم في بعض أحيانها كتقنيات علاجية.

المحتوى الخاضع للرقابة

في مساء أحد الأيام في منزل أختي، أتت ابنتي ذات الثمانية أعوام لتجلس بجواري، بالرغم من إعجابها العظيم بابنة أختي ذات الاثنى عشر عاماً، فسألتها مالخطب؟ أجابتني بأنها لم تجد ماتفعله، فابنة أختى تشاهد فيلماً مع ابنة ابنة خالي التي هي أيضاً تبلغ قرابة ١٢ عاماً، فقلت لها ولماذا لاتشاهدينه معهما؟ وكانت إجابتها بأن التقييم العمري للفيلم لايتناسب مع عمرها هي.

منذ توجهت للتلفزة عبر الانترنت، والذي يعتبر محتواه مفتوحاً وغير مقنن، صرت أهتم كثيراً بأمرين، أحدهما هو المحتوى الخاضع للرقابة، والآخر هو محاولة غرس ثقافة داخلية بالرقابة الذاتية لملاءمة المحتوى.

وأقصد بالأولى لا أن يكون المحتوى موجّه، بل على العكس فأنا لا أؤمن إطلاقاً بالتربية الموجّهة، ولكن أن يخضع المحتوى للتقييم من قبل جهات مختصة، مثلاً من أهم عناصر المحتوى، هو التصنيف العمري، لذا فمن المهم جداً لي عند اختيار منصة لمشاهدة التلفاز بهذه الطريقة، التصنيف العمري للبرامج. فبعض برامج الكرتون التي تناسب فئة الأطفال اكبر من ٥ مثلاً لاتناسب عمر السنتين.

وهنا يأتي أمر آخر مهم أيضا، وهو بالرغم من أن اللجنة المصنفة تقوم بالتصنيف بناء على توجهات معينة، إلا أن هنالك بعض الإشكاليات الدينية، أو السلوكية، التي قد لاتتناسب مع توجهات التربية لدي، لذا فإن من المهم أنه وقت مشاهدة هذه السلوكيات أن أؤكد -خصوصاً للعمر الصغير- على الأخطاء في هذه المشاهد وأن يتم اتخاذ رد فعل مثل أن ننهي مشاهدة هذا البرنامج وأن نقرر سوياً أن لا نشاهده مجدداً. طبعاً الممارسة اليومية قد لاتكون بهذا القدر من المثالية، لكني أحاول أن أصل.

الأمر يتجاوز المحتوى المخصص للأطفال، للكبار أيضاً فأنا شخصياً أفضل الكتب المسموعة التي مرت بمراحل متأنية نوعاً ما لكي يتم نشرها، على الإذاعات الصوتية أو البودكاست الذي قد يكون الوصول لمحتوى مميز من خلاله يستغرق وقتاً أطول، حتى لو كان الاثنان للشخص ذاته. لكني لأسباب عدة، يعجبني المحتوى الذي يمر بمراحل لكي يصلني، لأن الوقت الذي يستغرقه ليصل، يختصر الوقت علي للاستمتاع به، بينما على العكس فالمحتوى الذي يصلني سريعاً، يغلب عليه أن يكون أقل جودة، أقل اختصاراً، هي ليست قاعدة لكنها قد تكون ملاحظة.

وهذه التفاصيل بالأعلى هي محاولة لتوضيح مدى الفخر الذي أحسسته حين أخبرتني ابنتي السبب التي فضلت لأجله أن تجلس وحيدة على أن تندفع لهوى ذاتها، فخري بالمكانة العالية للرقابة الذاتية لديها، والتي بتوفيق من رب العالمين بدأت تتشكل في تكوينها. ففي عصر مشابه لهذا العصر، لايوجد مايمنع الشخص من ارتكاب الأخطاء سوى ذاته.

ماذا يعني أن أكون أمّاً؟

قبل أن أجيب على هذا السؤال، سأذكر بعض المعلومات عنّي والتي قد تكون غريبة بعض الشيء نظراً لقولبتنا وتشخيصنا التلقائي اللاواعي للآخرين الذين يعبرون قصّتنا في الحياة.

فأنا ريما، لم أفكر مطلقاً أن أصبح أماً، بل على العكس، مررت بمرحلة سوداوية كفاية لتجعلني أتساءل -إن صحّ القول- عن السبب الرئيسي خلف الرغبة الوجودية بالانجاب، وهل هي تنم عن وعي انسان عاقل أم أنها مجرد فطرة حيوانية للتكاثر؟ ماهو السبب الذي قد يجعل الآباء أنانيين لكي ينجبوا أبناء لعالم مليئ بالمعاناة مثل هذا العالم.
وهذه الفكرة تعتبر موقف فلسفي قديم ويطلق عليه الظاهرة اللاإنجابية، وقد تحدث عنها الكثير من المفكرين مثل شوبنهاور، و سيوران، وأبو العلاء المعري، وغيرهم.
وأعود لذاتي، مالذي تغير؟ لم أتغير حقاً، لكنّ أفكاري مطاطية كفاية لأن أتجه لأقصى اليمين وأنا أؤمن بشدة بأقصى اليسار. بأن أدع التجربة المعاكسة تقودني وأستدل. أو ربما أعرف في أعماق أعماقي أنه أمر روحاني يدبّره الله ويحيينا من خلاله.

وفقاً لهذه المقدمة، فهل الأمومة هي مرحلة الأنانية المطلقة التي يقرر فيها شخصان بناء على رغبات داخلية ملحة فيهما للانجاب؟ إطلاقاً. فالأمومة أبعد ما يكون عن الأنانية، أن أكون أماً يعني أن أمتلك -وبقصد انتقيت مفردة الامتلاك- أن أمتلك أجمل روح على وجه الأرض، وأتركه حراً طليقاً ليواجه العالم بمساندتي، يعلمني وأتعلم منه، أعتقد أنّي أشكّله لكنه يعيد تشكيلي، أعتقد أنّى أربيه لكنه يربيني، وأخيراً أعتقد بداية أنّي أمتلكه، لكنّي أحاول جاهدة ألّا يمتلكني، لنعيش سوياً في هذه الحياة، نتشارك الطريق للنهاية التي رُسمت لنا، نستمتع بها سوياً، بدون شروط. وهكذا تصبح الأمومة حياة بدون أن تتجسد الحياة بالأمومة.

وعيد أمهات سعيد على الجميع.

اختار أن أكون سعيدة

تسألني لبنى (بنتي ذات الست سنوات) بعد أن عضّت على لسانها بالخطأ: ” ليش ربي يخلينا نتصرف تصرفات ماتعجبنا، ليش يسمح لنا نعض على لساننا ويعورنا، ليش يسمح لنا نسوي شي شرير لأنفسنا؟!” وهذه الفكرة ليست غريبة أو عجيبة، بل هي مشكلة فلسفية عويصة منذ الأزل، وكانت أحد التوجهات التي أدت لنفي وجود الإله، باعتبار أنه يوجد شر، والاله خير،وكانت النتيجة المنطقية أنه لايوجد إله، تطورت هذه الأفكار وتغيرت وكانت تصل لنتائج مشابهة. ونظراً لكوني فكرت مسبقاً بهذه الفكرة وتأملتها كثيراً فكانت النتيجة التي توصلت لها بأن الله حينما أنزل الشيطان للأرض، ميز الانسان بالعقل، ولم يمنع عنه الشر، لكنه أمره بفعل الخير واجتناب الشر، والانسان من ولادته حتى يكبر، لابد أن يكون واعٍ وقادر على التمييز بين الخير والشر، بين الصح والخطأ، بكل بساطة أتاح الله للانسان الاختيار، وضع أمامه الخير والشر، وجعله قادراً أن يختار.

ولكن كما ذكر ابن سينا، فالشر كما صوّرته لبنى، هو يتحدد بالمقابل، فعندما نحدد أن مطلق القتل شر، فقتل القاتل بالنسبة لأهل المقتول، من العدل والخير وليس من الشر. وعلى هذا يتلاشى الفرق بين الخير والشر، وتتلاشى قدرة التمييز بالمنطق، وهنا يقع الخطأ الأعظم، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في مواضع متفرقه في القران أن مكان التمييز هو القلب لا العقل، أن القدرة العقلية موضعها القلب الحي. لذا فإن تمييز الخير هو من الايمان من الصعب اثباته، ومن الصعب اقناع الاخرين به.، لأنه لايسير على تسلسل منطقي يمكن للمخ البشري ادراكه، لكن بالنسبة لقلب طفل صغير، فهذا الأمر هينّ.

وخلال تسرب كل هذه الأفكار والتفكر فيها ملياً توصلت إلى أنه مثلما نستطيع تمييز الخير، نستطيع تمييز السعادة على اعتبار أنها بعض من الخير، فبالرغم من وقوع الأمور السيئة التي قد تكون من الشر و التي قد لا يمكننا التحكم بها، إلا أن ردود أفعالنا هي ملك كامل لنا، وهي الاختيار الخيّر الذي أوجبه الله علينا، فمثلاً على ذلك، إن وقوع أحد مسببات الحزن لايتنافى مع اختيار السعادة، وأن اختيار السعادة كطريق في الحياة لايعني أن يكون الشخص مبتسماً دوماً، لكنه يعني أن يكون على فطرته، أن يعيش بقلب حي. بقلب طفل قادر على التمييز. ويضيف عليه، أنه قادر على الاختيار.

عودة بعد سنة انقطاع

يوم كنت بالجامعة قبل ١٥ سنة تقريباً التقيت صدفة بفتاة نادتني: ريما؟ أنتِ ريما الغفيلي؟ أجبت: ايه، بس مين؟ صوتك مب غريب. قالت أنا أشواق! كنّا معاً في الابتدائي! ماتغيرتي أبد! وعلقت ضاحكة، قلت: بفهاوتي والا بشكلي؟ ردت: الاثنين! استرجعنا ذكريات كثيرة بعضها لم أتذكرها على الإطلاق، وبعضها ظلت محفورة لهذا اليوم.

بالرغم من تكرر المواقف المشابهة، كان الكل يتفق أنهم يعرفونني على الفور، بالرغم من أن شكلي تغير كثيراً وأعلم ذلك، لكن الذي ربما ظل ثابتاً أو أحاول أن أتشبث به كثيراً هو روحي، التي تنسال بين يدي للحظات وأيام ثم أسترجعها بعد ذلك بمدة، لتعود متجددة، كما لو كانت قبل عقود من الزمن. فالروح علامة فارقة تظهر جليّة. كم أتمنى أن المدة التي انقطعت خلالها كانت محاولات لاستعادة روحي التي تنبض بالحياة، روحي التي تحب أن تحيا.

سنة مضت، وخلال تلك السنة تعلمت الكثير عن ذاتي، والأهم تعلمت كيف أصقل وأوجه تفكيري للمناطق الرمادية المهمشة غالباً.

بداية هذه السنة الماضية كان لدي الكثير من التطلعات، فلقد أنجبت طفلي الثاني، وانتقلت لبيت جديد، وكان التغيرات حولي سريعة وكثيرة، وبالرغم من محاولة مراعاتي للتغيرات النفسية لمن هم حولي، إلا أنّي تجاهلت آثارها على ذاتي. ولهذا السبب صرت أبحث في كل مرة عن ذاتي القديمة في ظل كل هذه التغيرات، أجبر نفسي أن أكون أنا قبل ١٠ سنوات، متغافلة التحولات التي طرأت علي، بلا أي متابعة للروح المتجددة التي ظلت تعيش بداخلي، والتي كانت هامشية وصارت تولّد إحساساً مزعجاً، كنت أعالجه بالبحث عن نفسي عند النقطة التي توقفت بالتعرف فيها عليها مجدداً.خلال هذه السنة حزنت كثيراً، وخلالها فرحت كثيراً واستقريت كثيراً.

حين أيقنت حقيقة الضياع الروحي الذي أمر به، صرت أبحث عنه في القراءة والكتابة، ممارسة الهوايات، وحتى في أطفالي، في صديقاتي، في كل من حولي، وأخيراً وجدته بالتفكّر، التأمل بكل شي، ليس بمفهوم التأمل النمطي، وإنمّا برفض المسلمات وإعادة صياغتها، برفض التنميط وإعادة تكوينه، استعادة الدهشة، الوصول للمتع الحقيقية والإحساس بها. عندها فقط علمت من أكون، علمت أنّي متجددة وسأظل كذلك، علمت أن هنالك نمطاً من الهوايات التي أود أن أفسر ذاتي بها لكنها لم تكن توصلني لنتيجة. وكل هذا كان نتيجة تلميحات صغيرة من ابنتي ذات الخمس سنوات والتي تتساءل عن كل شيء حولها بالحياة، تتعجب من البديهيات، ولا تنحرج من سؤالي عنها. تسألني عن الله وعن الوجود وعن الخير والشر، تسألني عن الحزن والفرح، وعن العقل والروح. عبر ذلك كله أيقنت أني صرت أبحث معها عن أجوبة، وتوصلت لطريق مختلف، يحتوي منطقة رمادية، تجعل الشخص الواحد يحمل في داخله بعضاً من خير وبعضاً من شر، أن الانسان يحمل في قلبه بعضاً من روح الله ومع ذلك ففي هواه يتجسد الشيطان، وهو مسؤول عن صقل ذاته، وتقديس هذه الروح، والتواصل معها والتعرف عليها بشكل متجدد.

هذا البعد الفكري، أوصلني لأبعاد دينية واجتماعية، حزنت بسببها كثيراً، ليس لكونها صائبة أو مغلوطة، ولكن لأنّي لم أملك أي قدرة على التصريح بها، لأنها جعلتني عاجزة عن التواصل مع الآخرين، فقراءة آيات الله بهذا التأمل المجرد من أي خلفية علمية يتسلسل عليها البناء الفكري، فهمت منه آيات كنتُ وبكل صراحة أستاء من تفسير المفسرين لها، وكنت أتجاهل ذلك الاستياء بهدف الاستسلام لله، لكنّي كنتُ أُغفل أمراً مهماً، وهو أن ذلك الاستسلام لم يكن لله، بل كان لبشر مجتهدين، وقعت خلال ذلك بفخ الصواب والخطأ، بفخ الوصاية، والرغبة بالإجهار بما أعلم، وعلمت لاحقاً، أن ماتوصلت إليه عبر قراءتي لكلمات الله سبحانه وتعالى كان أمراً روحيّاً بحتاً، قد أكون قادرة على شرحه وتفسيره للآخرين، لكن في حال أنهم لم يمروا بالطريق الذي مررت به بالتجرد الفكري، سيكون ضرورياً مني دحض البناء السابق. وهذا لن أستطيع فعله، علمتُ وقتها أنه لايوجد صواب أو خطأ في هذا الأمر، علمتُ أن الله أكبر وأعظم، وعندها حين أتذكر أن جزءاً يسيراً من هذه العظمة تسكن روحي، يحيى قلبي، وأنسى همومي وأفرح كثيراً، كثيراً جداً.

وهنا أعود اليوم بعد أن وصلت إلى مرحلة عالية من السلام الداخلي الذي أتمنى ألا أنساه بعد الغوص بتفاصيل الحياة.

إلى صديقة

صديقة قديمة قدمت لي أفضل نصيحة للاستمتاع بالحياة قبل عشر سنوات، هذه الصديقة التي تصغرني خمسة أعوام، قالت: “عند مواجهة مشكلة ما، حاولي حلها، وإن لم تستطيعي فلاتعيدي المحاولة بل تعايشي معها، لأن رفضها لن يولد سوى الغضب”

وقبل أشهر لجأت إلي صديقة أخرى في أمر يخصها، وكان لها الصلاحية التامة باتخاذ القرار الذي لم أره مناسباً -حينها- رفضت في داخلي لكني لا أستطيع التصرف وتعدي صلاحياتها، وبقيت اتعارك مع الرفض، وأحاول التصرف بغاية إنقاذ أخريات من الغرق، حتى غرقت أنا. عندها استأت كثيراً من كل شي، وفعلاً تملكني الغضب تجاه حياة ليست عادلة، حياة أعلم أنّي ربما ألوم ذاتي لعدم تصرفي قبل اليوم، لكنّي اليوم أعلم أنّي لن أفعل، لأنّي يجب أن أبرر لذاتي أن الاختيارات كانت بيني وبين فعل ما أعتقد أنه الخير، واخترت ذاتي وحياتي.

قد تلوميني يا صديقتي، لكن ليس الأمر أنه يهمني أو لايهمني، فلم يكن هذا يوماً مقياسي، إنما كان كل ما أفضيت به إلي أكبر بكثير من طاقة تحملي، كان ضميري يتفجر لعدم قدرته على التصرف، لعدم قدرته على التنبيه، لكني لا أستطيع الاستياء أكثر، لم أعد قادرة على السير مع كمية الغضب الذي بات يتكاثر تجاه الآخرين، فإن كنتِ قد تعايشتِ مع ماحدث، فالأجدر بي أن أتعايش لما حدث لكِ وأدعو أن لايحدث لغيرك.

علمت خلال الأيام الماضية القليلة أنه لايهم إن تم حل المشاكل أو بقيت معلقة، لأنه بالنهاية لايوجد فوز أو خسارة ولن يتوالد سوى أحاسيس سلبية تتولد ترجمة لرفض الاستسلام، والتخلص من هذه المشاعر لايكون سوى بالتصالح مع المشاكل، والاستسلام. الاستسلام للوصول للسلام الداخلي الذي هو فوز بحد ذاته.