الحياة الواسعة

قرأت مقولة لاخصائية في الطب النفسي تقول: “من الصحيح أنه مع تقدمنا بالعمر يصبح من الصعب علينا التطور”. استوقفتني هذه العبارة بعد حوار لطيف مع ابنتي جربت فيه تحليل SWOT لتعرف ماهية الفرص المناسبة لها والتحديات التي تواجهها في ظل نقاط قوتها وضعفها، أعجبها جداً وقررت أن تخوض معي التجربة، فأخبرتها أنّي انتهيت من التجارب العملية، وحمداً لله أني عرفت اتجاهي من عمر صغير، وماهو اتجاهك؟ سألتني. أخبرتها الاستقالة. وترك العمل المؤسسي. وذلك لمعرفتي ويقيني على أنّي جربت جهات لابأس بها وبنيت نظرة أعلم اليوم أنها قاصرة.

وقبل فترة قمت بتجربتين مذهلتين، إحداهما لا أعلم عنها سوى اسمها فقط، والأخرى لا أعلم شيئاً حتى أنّي لم أسمع بها مسبقاً، لكني حضرت بناء على إلحاح صديقة لي، وكنت وقتها قد عدت بالأمس من أجازة قضيتها في منتجعات إحدى الجزر، وكنت أتأمل ذلك الوقت في فكرة السفر الذي أصبح إلى حد ما متشابه، وعلى مرأى متكرر من أعيننا، فنحن لم نعد نستكشف وإنما نكرر التجارب، فاختفت الدهشة التي تحيط بنا وقت السفر، وكل ما يحدث أصبح متكرراً لحد كبير، إضافة للتعولم الذي حدث في السنوات الأخيرة، فالدول تداخلت والأسواق تشابهت والحياة في كل دولة كانت تشبه الأخرى إلى حد كبير. ولابد لكل منّا أن يبحث عن الطريقة التي تناسبه ليستعيد الدهشة والمتعة المصاحبة لألّا يقع في فخ الرتابة التي قد تصاحبنا حتى خلال التجدد والتغيير، فلو كانت المتعة في المشاركة أو المتعة في التوثيق والنشر أو الاستكشاف أو حتى الاسترخاء، فلنحقق ذلك، فلنحقق الدهشة لأنفسنا، لكن أولاً لابد وأن نعرف ذواتنا ومايشعرنا حقاً بالسعادة لنتمكن من إيجادها.

وكما ذكرت كنت قد عدت من رحلة مليئة بالتجارب. ولم أنفصل بعد عن مرحلة خوض التجارب الجديدة ولم أفوّت الفرصة استجابة لصديقتي التي أعلم أن لديها عالم لا تتحدث عنه، فهي على النقيض مني قليلة الحديث عن تجاربها العظيمة. حضرت التجربة بلا أي تصور مسبق، وخلالها انتابني شعور عميق، وأعلم أنه حقيقي، بسعة الحياة، فالتجارب المختلفة التي قد نمارسها خلال سفرنا أو في مقر دارنا، هي تجارب جاءتنا من أقاصي الأرض وهنالك من تعنّى وبحث لتصلنا أو لنصل لها، ففي كل مرة أعتقد أن الحياة باتت تتكرر وأنّي جربت الكثير، تفاجئني الحياة بأن هنالك الكثير لاأعرفه، ولم أتعرف عليه، وتفكيري بأنّي عشتُ السِعة يجعلني أضيق، أضيق من التكرار ومن تفكيري الضيق، الذي يمنعني حقاً من التفكير بالكم من الحياة الذي لم نره بعد.

لذا فيا ابنتي لا تكرريني، ولاتكرري أحداً، والأهم لاتكرري ذاتك، وجربي كما أنتِ، جربي الحياة، جربي تفاصيلها، خوضي بالتجارب المتجددة، عيديها وجدديها، اكتشفي ذاتك وأعيدي اكتشافها. فنحن نمر بمراحل تغيرنا، وتعيد تشكيلنا. فالصعوبة التي تمنع الثلاثيني من التطور هو فكره، وفكره بأنه عاش قدراً من الحياة يجعله يعتقد أنها عاشها كاملة. فهو حقيقة أقفل عقله على ضيق، ورفض سِعة الحياة، اعتقاداً منه أنه عاش الحياة الواسعة.

الإعلان

اكتب تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s